تقارير و مقالات

الانفصال بين التقبل النفسي و الاجتماعي و دور المعالجة المتخصصة

الانفصال كتجربة فقد معقد

الانفصال و التقبل النفسي و الاجتماعي
  • تجربة الانفصال من التجارب الحرجة في حياة الإنسان و يتطلب تحويلها إلى بداية جديدة وعي و دعم نفسي كثيرين

بقلم: د. أبي عادل القاسم.

يمثل الانفصال – سواء كان زوجياً أو عاطفياً أو اجتماعياً – تجربة إنسانية معقدة تترك آثاراً نفسية و اجتماعية عميقة، فهو لا يقتصر على كونه حدثاً عاطفياً مؤلماً، بل يعد صدمة تهز استقرار الفرد و تضعه أمام تحديات متعددة تبدأ بالذات، و تنتهي بنظرة المجتمع.

و في ظل ثقافات تنظر أحياناً إلى الانفصال باعتباره فشلاً أو وصمة، تصبح الحاجة إلى التقبل النفسي و الاجتماعي، و إلى الدعم العلاجي المتخصص، أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

الانفصال كتجربة فقد معقد

يصف علماء النفس الانفصال بأنه نوع من “الفقد المعقد”، فالشريك أو الطرف الآخر لا يختفي تماماً كما يحدث عند الموت، بل يبقى حاضراً في الذاكرة و ربما في الواقع الاجتماعي، مما يضاعف صعوبة التعافي.

و يمر المنفصل غالباً بمزيج من المشاعر المتناقضة: حزن عميق، غضب، شعور بالخذلان، و أحياناً ارتياح خفي.

هذا التداخل يجعل الانفصال تجربة فريدة من نوعها، تتطلب فهماً خاصاً و آليات دعم مناسبة.

التقبل النفسي: من الإنكار إلى إعادة البناء

التقبل النفسي لا يعني الاستسلام للواقع، و إنما الاعتراف به و العمل على التكيف معه.

و يمر الفرد عادة بمراحل متدرجة حتى يبلغ التقبل، تبدأ بالإنكار و محاولة الهروب من الحقيقة، ثم الغضب و لوم الذات أو الآخر، يلي ذلك التفاوض الداخلي و البحث عن احتمالات بديلة، و صولاً إلى الحزن العميق، و أخيراً مرحلة التقبل.

إن الوصول إلى هذه المرحلة يعني أن الفرد أصبح قادراً على إعادة بناء ذاته و هويته بعيداً عن العلاقة السابقة، بما يمنحه مساحة للنمو الشخصي و اكتشاف إمكاناته من جديد.

الانفصال بين التقبل النفسي و الاجتماعي و دور المعالجة المتخصصة
الانفصال عملية معقدة بتعقد تداعياتها

التقبل الاجتماعي:
مواجهة الضغوط الخارجية

لا يتوقف الأمر عند حدود التقبل النفسي، فالمجتمع يلعب دوراً مؤثراً في تشكيل تجربة الانفصال، ففي مجتمعاتنا العربية على وجه الخصوص، ينظر كثيرون إلى الانفصال باعتباره مؤشراً على الفشل الشخصي أو العجز عن الحفاظ على استقرار الحياة الأسرية.

و تنتشر الأسئلة و التعليقات التي تزيد من شعور الفرد بالحرج و العزلة.

و لتجاوز هذه التحديات، يحتاج المنفصل إلى:

إعادة صياغة روايته الذاتية، بحيث يرى الانفصال خطوة نحو حياة أكثر صحة بدلاً من اعتباره وصمة.

البحث عن شبكة دعم اجتماعية قائمة على التفهم و القبول.

الانخراط في أنشطة جديدة تعزز الثقة و تكسر دائرة العزلة.

الانفصال بين التقبل النفسي و الاجتماعي و دور المعالجة المتخصصة
الدعم النفسي من المجتمع المحيط من أهم أدوات التعامل مع الانفصال

دور المعالجة النفسية المتخصصة

في ظل هذه التحديات، يصبح دور المعالج النفسي محورياً في مساعدة الفرد على تجاوز الأزمة.

و يتجلى هذا الدور في عدة جوانب أساسية:

  1. توفير مساحة آمنة للتعبير: حيث يتمكن الفرد من الحديث بحرية عن مشاعره بعيداً عن أحكام الآخرين.
  2. إعادة البناء المعرفي: من خلال تصحيح الأفكار السلبية التي تتولد بعد الانفصال مثل: “أنا غير كافٍ” أو “لن أستطيع بدء علاقة جديدة”.
  3. تعزيز مهارات التكيف: عبر تزويد الفرد باستراتيجيات عملية لإدارة التوتر والقلق والأرق.
  4. معالجة الجروح العميقة: خاصة في الحالات التي يرتبط فيها الانفصال بخيانة أو عنف نفسي، بما يضمن تجاوز الصدمة ومنع تأثيرها على العلاقات المستقبلية.
الانفصال كبداية جديدة

على الرغم من قسوته، يمكن للانفصال أن يكون نقطة تحول، فالكثير من التجارب تشير إلى أن الأفراد الذين مروا بانفصال صعب، ثم تلقوا دعماً نفسياً و اجتماعياً، تمكنوا من بناء حياة أكثر قوة و نضجاً.

بعضهم وجد في التجربة فرصة لتطوير ذاته مهنياً، و بعضهم أعاد اكتشاف معنى العلاقات الصحية.

التقبل هنا لا يعني محو الماضي، و إنما التصالح معه و توظيفه كأرضية للنمو و إعادة التوازن.

ختاماً
الانفصال ليس مجرد نهاية علاقة، بل هو حدث إنساني معقد يتطلب وعياً ذاتياً و قدرة على مواجهة المجتمع.

إن التقبل النفسي و الاجتماعي، مدعوماً بالمعالجة النفسية المتخصصة، يمثل المسار الأمثل لتحويل الانفصال من صدمة مؤلمة إلى بداية جديدة أكثر اتزاناً و نضجاً.

و بين الألم الذي يفرضه الواقع و الفرص التي يتيحها المستقبل، يظل العلاج النفسي جسراً ضرورياً يعبر من خلاله الفرد من دائرة الانكسار إلى فضاء إعادة الميلاد.

بقلم 🖋
أبي عادل القاسم الجاك
اختصاصي ومعالج نفسي
رقم العيادة الاونلاين واتساب
00249116071234

أسبالتا

شبكة أسبالتا الإخبارية (Aspalta News)، منصتكم الأولى لمتابعة آخر أخبار السودان اليوم على مدار الساعة. نقدم تغطية شاملة وموثوقة للأحداث السياسية، الاقتصادية، الرياضية، والثقافية، بالإضافة إلى تقارير حصرية وتحليلات معمّقة تساعدكم على فهم المشهد السوداني والعالمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى